د. طارق البكري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
د. طارق البكري

موقع أدبي وقصصي ونقدي خاص بالأطفال واليافعين والشباب
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 القصص التي لا تصدق بسهولة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 120
تاريخ التسجيل : 28/09/2013

القصص التي لا تصدق بسهولة Empty
مُساهمةموضوع: القصص التي لا تصدق بسهولة   القصص التي لا تصدق بسهولة Emptyالأربعاء أكتوبر 02, 2013 1:47 pm

القصص التي لا تصدق بسهولة

د.طارق البكري


كثيرة هيَ القَصَص وَالحَكاياتِ التي لَا يُمْكِنُ تصديقها بِسهولة.. وحتى مَنْ يَرَاها حَقيقة عَلى أرض الوَاقع يَظن نفسَه يَحلم.. وربما رأى الإنسان أحداثاً لا يخبر بها، وقد يخبر بأحداث من نسج الإنسان نفسه.. وَمَع ذلك تبقى القصَص المحكية راسخة في ذَاكرة النَّاسِ، يَرويهَا الكِبارُ للصِّغار، وتتناقلها الأمَمُ أجَيَالاً وَراءَ أجْيال.. وربَّما تكون معظم القصصُ أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، لكنَّ التجارب الـتي نحياها كل يوم تدهشنا أحياناً بوقائع كانت بالأمس خيالاً..
ولطالما سمع النَّاس عن أمور غريبة، لا يمكن أن تخطر على بال أحد، وعن أحداث عجيبة لا ينسجها إلا فكر واسع ونفس غارقة في الأحلام البعيدة.. وفي أحيان عديدة نسمع عن قصص حدثت في التاريخ وقد نظن أصحابها أسطورة من الأساطير، أو خلقاً من غير البشر من غرابة الأحداث التي تصادفهم.. لكن تلك القصص رغم كل ما تثيره من استغراب؛ فإنها تظل مرتبطة بالواقع مثيرة للجدال..
وهناك من يؤمن بأنَّ وراء الواقع شيئاً أبعد من الحقيقة.. وأوسع من الخيال.. وأنَّ وراءَ كلَّ خيال.. طرفاً من الواقع. هي أشياء لا تسقط مع المطر، ولا تنبع مع الماء، ولا تثمر مع الزهر، ولا تنبت مع العشب..
أشياء فوق العقل أو التوهم.. وفوق الرؤى والأحلام.. ومع ذلك يظل الناس يسعون جاهدين لاقتناص الأمل والحياة من وراء الواقع.. فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل..
ومن الحكايات التي عاشت دهوراً وتناقلها الناس ولم تمحَ من صفحات الذكريات.. حكاية حدثت في مكان شاهق.. حيث الأفق حدوده.. والنسائم وروده.. والزنابق جنوده.. هناك.. حيث يبدو القمر أكبر بكثير وأشد بياضاً لمعاناً مما يراه سائر البشر! سكنت قريةٌ صغيرةٌ قمةَ جبلٍ عالٍ، عاش فيها الناس في سلام وطمأنينة وأمان، في حضن الطبيعة الجميلة والهواء البارد المنعش، داخل سور مرتفع، تحيط بهم غابات تكسو التلال والجبال والوديان..
وفي ربوة عالية من القرية ينتصب الأثر القديم، يبدو بقايا لقصر حَجَريّ متين..
أهلُ القريةِ يتوارثون جيلاً بعد جيل قصصاً كان مسرحها أرجاء هذا القصر الجميل.
ينسجون حوله خيالات وقصصاً قريبة من الأحلام.. يتوارثون قصصاً.. ويخترعون أخرى. فهم منذ مئات السنين يعيشون بعيداً عن أهل القرى وسائر البلاد، لا يخرجون من قريتهم ولا يزورهم من خارجها أحد، ليس عندهم أجمل من هذا الأثر ليكون سميراً لهم ورفيقاً على مدى الأيام والسنين..
كانَ سَكانُ القرية بالرغم من كل الوَداعَة التي ينعمون بها في محيط قريتهم، مِنَ طبيعة سَاحَرَة خَلابة وَهدوء تام لا يَقطعه سَوى صَوت زقزقة الطيور أو حفيف أوراق وأغصَان الشجَّر.. يخشون الخروج من قريتهم التي تحيط بها الجدران العالية، حماية لهم من الأخطار الخارجية، حتى أنهم عندما أقاموا هذه الجدر لم يجعلوا لها أبواباً.. فبدت القرية وكأنها سجن كبير..
فأهلُ القرية، ومنذ زمان بعيد، يَخشون الحيوانات المفترسة والفتاكة التي تملأ الجبل الذي يسكنون قمته. ترهبهم فكرة "الوحوش المرعبة"، يعتقدون أنها ستجتاحهم لو أزالوا الجدر، أو ستفتك بهم في حال خروجهم خارج أسوار القرية.
وتحكي الجدَّات للأحفاد في الأمْسِيَات، ومن حين إلى آخر، قُصصاً كثيرة محزنة، عن اختفاء عدد مِن أبناء القرية الأشداء، الذين تجرأوا وغادروا القرية التي تشبه الحصن، وجَالوا في أمْكنة قريبة في جَوار قريتهم للاستطلاع والمَغَامِرة..
لم يذهبوا إلى مَكان بعيد، لكنهم لم يعودوا إلى القرية منذ أنْ غادروها..
لم يجرؤ أحد بعد ذلك على الخروج للمغامرة أو حتى للبحث عنهم. الناس في تلك القرية اقتنعوا مع مضي السنين والأجيال بأنَّ العالم كله هو عالمهم وحدهم فقط، فليس من أمكنة خارج قريتهم يمكنهم أن يقصدوها، ولا مِن طعَام غير الطعام الذي يعرفونه..
لا شيء غير هذه الأسوار التي بناها أجدادهم، لإبعاد خطر الحيوانات المفترسة.. ومنها الأفاعي والثعابين، التي لا تقوى على تسلق جدران السور المبنية من صخور ملساء شديدة الصلابة..
الخطر يَكمن وراء هذه الجدران، والخير كلُّه في ظل حمايتها لهم.. أحلام الانطلاق خلف تلك الجبال المحفوفة بالمخاطر تقلَّصت، حتى أضحى مجرَّد التفكير بذلك بدعة غير واردة على الإطلاق، ولا يُستحسن مجرد التفكير فيها.. ويعاقب عليها قانون القرية. ذاكرة التاريخ مستمدة من آثار القرية.. والجبال المحيطة بها تشهد لتاريخها، وكأنها بعلوها المتناهي فوق كل الجبال الراسية من حولها، تسطع كل يوم من أنجم الليل حين يغفو القمر.. وتبدأ النسائم تتراقص بين التلال والوديان، تداعب أوراق الشجر..
تغني أغنياتها الشهيرة.. تملأ النفس في كل الفصول بريقاً متجدداً يوماً إثر يوم.. وليلة إثر ليلة.. تلك هي الطبيعة تتحدث عن نفسها، كأنها فرقة موسيقية واحدة، متناغمة، متناسقة، تشغل نفسها بنفسها، دون تبجح أو غلو أو عملقة.. لأنها هكذا.. في رملها.. وفضائها..
في أعلاها وأسفلها.. ترسم الحياة بكل صنوفها.. بكل هدوئها وجبروتها..
القريةُ مُزدحمةٌ بناسها.. تحبهم ويحبونَها.. لا يعرفون غيرها، ولا يخرجون منها، اعتادوا على ذلك وتأقلموا، فصاروا جزءاً متأصلاً منْ ترابِ الأرضِ، وَنباتها.. وَثمارها.. النَّاسُ فيها مشغولونَ بكثرة أعمالهم، فلكل يوم جديد، يحاولون أن يجعلوا من هذه القرية التي يسكنون فيها أجمل مكان في العالمِ.. رغم أنهم لا يعرفون من العالم غيرَ ما فِي داخلِ الأسوار العالية التي تحيط بهم.
أهلُ القريةِ يتحدثون عن سُلالات كثيرة منَ الأفَاعي، مِن كلِّ الأحجَام وَالأشكال والألوان، تتلوى في كلِّ مكان ترصد فرائسَها.. يَرسُمونَ بَعْضَها عَلى سورِ القريةِ ليبينوا خطرها، بأحجامها الضخمة، وأشكالها الغريبة، وألوانها الفريدة..
بَعضُ المشاهد مَحفُورةِ على الجَانبِ الدَّاخِليّ مِنَ السُّور أو الأشكال الموضوعة فوقه.
مجسَّماتٌ تؤكد ضرورة إلا يتجاوز أحد هذه الأسوار المنيعة، لكي لا يصيبه ما أصَاب غيره من الذين قاموا بتخطي هذه الحدود، مهما تمتع من شجاعة في النفس وقوة في الجسد.
هذه الأفاعي هي عدوَّهم الأول.. كَانوا يَحذرونها أشدَّ الحَذر وَيَخَافونَ مِنْهَا أشدَّ الخَوف، لِذا كَانوا يَحْتاطونَ مِنها ومنْ سمِّها. يَستخرجون السمَّ مِن بَعض الأفاعي التي يجدونها ميتة قرب أسوار قريتهم.. يترقبون من فوق الجدار.. ينتظرون أيَّاماً وأسابيع طويلة حتى يسعفهم الحظ بموت أفعى في عراك أو في غيره قريباً من الجدار، فيرسلون عصا طويلة مصنوعة من عدة أغصان رفيعة مستقيمة يربطون أطراف بعضها ببعض بحبال متينة..
يلتقطون الأفعى الميتة بطرف هذه العصا المحدبة، يرفعونها إلى أعلى الجدار ليستخرجوا منها السم، ثم يجعلونَه طعماً لأطفالهم الصغار، حتى تتعوَّد دماؤهم عليه، فإذا تعرضوا للدغة أفعَى أوْ ثعبَان فِي يومٍ من الأيامِ فَلا تكونُ اللدغةُ مُميتة.. غيرَ أنَّ هُناك قصَصاً كانتِ الجَداتُ ترويها عن كثير ممنْ تعرضُوا للدغ، وَلم يَصْمدوا أمام سمّ الأفاعي الفتاك، ومع ذلك فليسَ لديهم أي خيار آخر.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bakri.mam9.com
 
القصص التي لا تصدق بسهولة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» محكمة الألوان (من أجمل القصص)
» السمكة التي طارت
» صديقتي التي أحبها وتحبني
» التفاحة التي لم توقظها الشمس
» الساعة التي لا تعرف قيمة الوقت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
د. طارق البكري :: القصص القصيرة جداً :: المنتدى الأول :: قصص اليافعين-
انتقل الى: