د. طارق البكري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
د. طارق البكري

موقع أدبي وقصصي ونقدي خاص بالأطفال واليافعين والشباب
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الباب الوفي المزعج

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د.طارق البكري

د.طارق البكري


المساهمات : 77
تاريخ التسجيل : 28/09/2013

الباب الوفي المزعج  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الوفي المزعج    الباب الوفي المزعج  Emptyالسبت سبتمبر 28, 2013 9:43 pm






قصة: د.طارق البكري


ززز يــ....... ك.... د ج ج ج ج....
ززز يــ......... ك.... د ج ج ج ج....
باب مزعج.. كله إزعاج؛ أكثر من مطرقة الحداد ثقلا على القلب.. أود لو أكسره، أحطمه.. أفتته مثل حبات العدس.
قلت لأبي مرة تلو المرة:
أرجوك يا أبي.. بدل هذا الباب القديم...
جوابه المتكرر: لما تكبر تعرف قيمة هذا الباب..
أقول: أصلحه.. طيب أصلحه.. على الأقل.
يجيب: صوته يُذكرني بأشياء حميمة.
الباب عمره أكثر من مائة سنة.. لكنه مصنوع من الخشب المتين..
أسأله: قل لي يا أبي ما سرُّ عشقك لهذا الباب؟!
يقول:
كنا نعيش حياة فقيرة فقيرة.. أحيانا يعود جدك متأخراً دون طعام.. وليس في بيتنا حبة قمح.. أشعر بأبي عندما يدخل.. يحاول إخفاء صوت الباب المزعج.. يظن أننا نائمون.. الجوع كان يمنعنا من النوم، جدك يدخل بهدوء.. يرتمي على بلاط الأرض.. ولا ينام..
مات جدك.. تركنا فقراء.. حالنا تغير بعد موته بسنين.. أنعم الله علينا بالثراء.. مضت الأيام.. تزوجتُ أمَّك.. اشتريت هذا البيت الكبير.. احتفظت بالباب لأنه يذكرني ببيتنا الفقير..
تركته على حاله.. لم أصلحه.. لم أجدده.. أحببت صريره.. إزعاجه.. يذكرني بجدك.. بأيام الفقر فلا أنسى..
قلت له:
هل من الضروري أن نتذكر دائما هذا الماضي التعيس؟!
يقول: «متى كان الفقر ذلاً وتعاسة.. والغنى شرفا وسعادة؟... كم من فقير غني النفس.. وكم من غني فقير النفس؟.
أنا أتفق معك يا أبي بكل ما قلته.. لكن الباب مزعج، كما أن شكله القديم لا يتناسق مع شكل بيتنا الحديث..»
أدركت أن موقفي ضعيف.. وليس باليد حيلة...
اقتربت من الباب...
ززز يــ......... ك.... د ج ج ج ج....
ززز يــ......... ك.... د ج ج ج ج....
أفتحه.. أغلقه.. أبي ينصت إلى صوته كأنه موسيقى راقية..
فجأة.. سمعت صوتا ينساب من بين تجاويف الباب التي حفرها الزمن كتجاعيد في وجهه..
وضعت أذني على الباب.. لم أصدق.. سمعته يقول لي:
«يا ولد.. لو تعلم عمري الحقيقي لعلمت كم أنت صغير أمامي.. لقد أهنتني بكلامك.. لم تحترم سني.. سوف أعاقبك.. لن أسمح لك بالمرور بعد اليوم..»
لم أصدّق ما سمعت.. حاولت فتح الباب.. كان صلبا مثل الصخر.. حاولت دفعه، كنت كمن يدفع حائطا.. شعرت أن الباب ينتقم مني.. خفت على نفسي..
قلت: «تريد حبسي ومنعي من المرور؟!.. سوف أحطمك..»
رد علي بعنف: «لن تجرؤ.. أنا أقوى منك بكثير..»
عدت إلى غرفتي مستسلما.. وعاد الباب إلى سيرته..
ززز يــ......... ك.... د ج ج ج ج....
ززز يــ......... ك.... د ج ج ج ج....
فكرت باستخدام النافذة... ليست مرتفعة.. يمكنني القفز بسهولة...
قفزت إلى الحديقة.. لعبت مع الأصدقاء..
عدت إلى المنزل بعد مدة بالطريقة نفسها..
شاهدني جارنا أتسلق النافذة.. اعتقد أنني لص..
اتصل فورا بالشرطة.. كانت مفاجأة للجميع..
اعتذرت لهم، كما اعتذرت لأبي وأمي..
حكيت لأبي القصة كلها..
ضحك طويلا طويلا..
قال مازحاً: أأدركتَ الآن لماذا أحبُ هذا الباب؟ إنه يشعر.. يتألم.. يذكرك بالماضي.. أمور أشعر بها ولا أعرف كيف أوصلها إليك.
اقتربت من الباب مسحت بيدي عليه..
قلت: حسناً.. لنكن أصدقاء.. ألا تستطيع التخلص من صوتك المزعج…
لم يتكلم الباب..
ضحك أبي وقال: أتريدنا أن نصدق أن الباب يتكلم.. يفكر.. ويمنعك أيضاً من الدخول والخروج؟!
اقتربت أمي... همست في أذن أبي كلمة سمعتها:
خيال ابنك واسع... لا تستهزئ به..
أحسست أن أحداً لن يصدقني أبداً.. للباب قوة خفية لا يعلمها غيري..
أصبحت أترقب سماع صوته...
صريره.. إزعاجه..
كأنه يناديني.. يحكي لي قصصه القديمة.. يروي ذكرياته..
أخبرني بقصص جدي.. كيف كان يتعب في العمل؟!
يقضي معظم اليوم خارج المنزل من أجل كسرات من الخبز..
لم يكن يحزن ولا ييأس ولا يفقد صبره..
قال الباب:
«أيام طويلة كانت تمر ولا يجد جدك فيها عملا، كان يعمل في أي شيء.. يوزع الماء.. يبيع الثياب القديمة.. ينقل بضائع على ظهره..
ورغم فقره لم يكن يغالي في الأسعار، أو يغش الناس.
عندما يجلس في المنزل دون عمل كان يصر على تعليم أولاده بنفسه.. فقد كان رجلا متعلما يحفظ القرآن..»
أحببت الباب.. نعم.. أحببته من كل قلبي..
أحببت جدي الذي لم أره..
أحببت حياته وإخلاصه وصدقه..
أحببت جدتي الصابرة..
لم أعد أفارق الباب.. صار الباب صديقي..
قلت لأبي:
«عندما أكبر وأتزوج وانتقل إلى بيت جديد سآخذ هذا الباب معي..
قال أبي ضاحكا: ألن يزعجك بصوته؟!
قلت بفرح:من قال إن صوته مزعج؟! صوته أجمل من أصوات البلابل والحساسين، لكن لو كان أكثر رقة لكان أجمل..
لم يقل أبي شيئاً..
في اليوم التالي أحضر أبي عاملاً إلى منزلنا وضع زيتا على مفاصل الباب...
قال: «هكذا لا يعود الباب يزعج أحداً.
قلت: أشكرك يا أبي... لقد أحببت الباب مثلك تماماً.. اختفى صوته المزعج وبقيت ذكرياته الجميلة.




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الباب الوفي المزعج
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
د. طارق البكري :: القصص القصيرة جداً :: المنتدى الأول :: قصص الناشئة-
انتقل الى: