د. طارق البكري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
د. طارق البكري

موقع أدبي وقصصي ونقدي خاص بالأطفال واليافعين والشباب
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 رواية حقيقية مثل الأحلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د.طارق البكري

د.طارق البكري


المساهمات : 77
تاريخ التسجيل : 28/09/2013

رواية حقيقية مثل الأحلام Empty
مُساهمةموضوع: رواية حقيقية مثل الأحلام   رواية حقيقية مثل الأحلام Emptyالثلاثاء أكتوبر 08, 2013 10:02 pm




لا تسألوني.. ما اسمه حبيبي؟‏

يرويها لكم: د.طارق البكري

الحلم الأول

حلم طفولي طويل

منذ أيام الطفولة وأحلامنا تأتي وتذهب.. وغالباً ما تضمحل وتزول مع مرور الأيام، لأنّ الأحلام ‏عادة ما تولد من وهم، وتنهار على أعتاب واقع.. وقد سمعت يوماً وأنا أعبر الطفولة إلى الشباب ‏رجلاً متوسطاً في السن يقول: كلّما كبرنا صغُرت أحلامنا.. ‏
لم أصدّق مقولته ولم أطمئن إليها.. فقد كانت الحياة أمامي واسعة وسع سماء.. كبيرة مثل بحر.. ‏شاسعة مثل فضاء.. ‏
فكيف لتجربة مهما كانت أن تحدّ من أحلامي؟!‏
أن تمنع طائراً من التحليق في سماء لا حدود لها.. ‏
فليقل ما يشاء ولنؤمن بما نشاء.. من هو ليؤطر لي أفكاري وتطلعاتي.. ‏
ومضيت في طريقي غير عابئ به وبأمثاله.. لستُ متشائماً على الإطلاق.. لاهو ولا غيره يملك ‏تسيير أفكاري.. ولا أظنّه يقصد ذلك.. غير أنّ مقولته تفاعلت في نفسي واستفززتني من واقعي.. ‏لكنّها لم ولن تسيّج أحلامي بأفكار مقلقة.. ‏
لكنّ الحياة كلها مجموعة أحلام، وهي عندما تتحقق في بعض جوانبها، نصرّ على أنّها حلم، ‏ونظل نحلم ونحلم ونحلم، حتى نظن الواقع جزئاً من الأحلام..‏
وقد كنتُ مثل كثيرين غيري - وما زلت – كملايين، وربما كمليارات من البشر، أصرّ على أنْ ‏أعيش الأحلام وأنْ أبادر إليها، وربما أنسج أحلاماً أخرى من واقع، ولو كانت على حساب ‏الحقيقة..‏
أمّا هي، فلم تكن مثلي.. مع أنّها كانت تأتي في سويعات من خيالات لا تنتهي..‏
تسري في تفاصيلي، في مشاهد يوميّة دائمةً لا تنقطع، مرأى حتمي، كأنه واقع ملموس، مع ‏افتراضه نسيجاً من روح ودم - وبالطبع – إنّها خيالات (واقعية) لا تتوقف عن نبض في قلب ‏دافئ يتدفق بالحياة..‏
هكذا عرفتها في عمق أحلامي.. ضوءاً يمشي على بساط سحري ممتد.. آخره الأفق وأوله هنا ‏داخل صدري.. في أعماق حجيرات قلبي.‏
كانت تسكب فيّ أحلاماً وتمضي.. ‏
تزرع في حنايايا صفاءً ونقاءً.. تسطع في فضائي المظلم حين يملّ الليل جفونه، والحزن دموعه.. ‏والبحر ماءه.. فتنقضّ على مشاعري تفترس ما في دواخلي من بقايا إنسان..‏
كانت تأتي في أوقات عزّ زمانها ومكانها.. ‏
ترسم في أفق الوجود قصراً من رمال.. ‏
تبدعه لحناً على أوتار فرح باق رغم الفقد.. ‏
وظلّت تعيش في فضاء ما.. ووقت ما.. راسخة في قلب خفوق، ينبض مع وميض ثغرها ‏الوضيء...‏
كانت تشغل نفسي بسنا ضوء لا يتوقف.. استجمع كل قواي لأفكر فيها.. بل لم تكن تنتظرني ‏لأفكر.. فهي تأتي كبرق في سحابة.. أو كنسمة في فضاء.. ‏
أيام وأيام.. كانت خليلة كل أحلامي.. سر بقائي.. ‏
سنوات على مَرِّ الحياة ومُرِّها، لا أعرفُ لها عداً ولا من يعدون... ‏
تقاسمتُ مع تقاسيمها تفاصيل وجودي.. ‏
لو ضحكتْ أضحك بطيفها المطبوع مثل ومض في خاطري.. مثل ورد باسم.. مثل عشق متوج ‏بالغار..‏
ومضينا في أيامنا وأحلامنا.. حتى كادت كل الأحلام والأيام تتلاشى معاً.. ‏
لكنها بقيت مورقة مزهرة بهيّة كما هي.. ‏
تصنع من تفاصيلي انتصارات حياة.. ‏
تغزل من انكساراتي وشاح قوّة يشعل في نفسي شرارتها.. فأعود معها منتصراً.. مع كل خسارة.. ‏
وتبقى نجمة بريّة تلمع في سماء..‏
كانت حلماً بعيداً بعيداً .. كصبح دافئ في ثلج شتاء.. ‏
كنبتة حيرى في أرض موات..‏
كلمسة عطف في فيض شقاء..‏
تسطع كنجمة راقصة في ليل صيف احترق نهاره.. ‏
فتبسم في شوق تلطَّف رمضُه...‏


الحلم الثاني

تفاصيل من صنع يديّ

عشتُ دهراً أرسمُ صوراً من خيالات ملوَّنة لا تنقطع.. ‏
تفاصيل صنعتها بيديّ هاتين وأصبحت خليلة ذاتي.. ‏
أجسّد ما ليس من واقع واقعاً.. ‏
أعيشه وهماً.. كإدمان لا ارفضاض عنه.. ‏
عادة يومية عشقتها بجنون.. عشتها وحدي.. لم أخبر بها أحداً، لا لأنانية أو استئثار، بل لأنّها ‏سرّي.. ولهي.. بل بالأصح (حلمي) الذي لا أودّ أن يشاركني فيه أحد.. مهما كان قريباً مني.. ‏
ولا أنكر أنّي حاولت أن أعيش مثل غيري.. ‏
مررت بمغامرات كثيرة.. عرفت نساءً من كل لون وطعم.‏
عشت مع نزار في مغازلاته، ومع جميل في ولهه، ومع قيس في وجعه.. ‏
لكنني ظللت في النهاية وحدي.. برفقة أحلامي..‏
عشقت (المساء) لأيليا أبوماضي.. حين يرسم صورة حيّة في خيالي:‏

السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين
والشــمس تبدو خلفها صــــفراء عاصبة الجبيـــن
والبحر ســــاجٍ صامتٌ فيه خشوع الزاهدين
لكنمــا عيناك باهتتان في الأفق البعيد
ســـلمى.. بماذا تفكرين؟
ســـلمى.. بماذا تحلمين؟
‏ ‏
أرأيت أحـــــلام الطفولة تختـــفي خلف التخوم؟
أم أبصرتْ عيناك أشـــــباح الكهولة في الغيوم؟
أم خفتْ أن يأتي الدُّجى الجــاني ولا تأتي النجوم؟
أنا لا أرى ما تلمـــــحين من المـشـــاهد إنّما
أظلالـــــها في ناظريك
تنم - ياســـلمى - عليك‏
‏ ‏

إلى أن يقول:‏

مــات النهار ابن الصباح فلا تقــــولي كيف مات؟
إنّ التـــــأمل في الحــــــياة يزيد آلام الحياة
فدعي الكآبة والأسى واســــترجعي مرح الفتاةْ
قد كان وجهك في الضحى مثل الضحى متهــــــــللاً
فيه البشـــــاشة والبهاءْ
ليكن كــذلك في المساءْ

‏ كلمات.. تحفر عميقاً عميقاً.. تنبِتُ المشاعر في صلابة وقسوة.. وحنان! ترفرف فوق أحلام..‏
هو يردِّد بلذّة اسم (سلمى).. وأنا لا أجرؤ.. هو يتكلم عنها.. يرسمها.. يصورها.. يذيع سرّها ‏يخلدها.. ‏
وأنا لا اقول من.. من؟
فلا تسألوني.. ما اسمه حبيبي..‏

الحلم الثالث‏

ريشة شاعر
وفي يوم.. ساعة مساء.. ‏
والمساء في نفسي مزدحم على الدوام.. ‏
مساء رسمته ريشة (أبوماضي) السحرية من شعر وأحلام.. ودمع وأمل. ‏
ذاك مساء رأيتها حلماً متجلياً بصفاء، أو ربما طيفاً عابراً كضياءً..‏
كانت نجوم سمائي في أمكنتها كالعادة.. ترسم في ليالي نفسي هشيماً من فرح..‏
كان مساء لألاء وضاء.. ‏
طيف ظهر دون استئذان.. ‏
نبت كريحانة في أرض تكاد تموت من العطش..‏
أشرق كشمس في ليلة ليلاء... ‏
ودون توقّع وترقّب.. هلّت نسائم عطرية سحريّة.. جاءت من بعد أحلام.. ‏
توسدت قلباً.. بل تملكته.. وهو لها من قبل أن تشرق ذلك المساء.. ‏
لم يصدق القلب ما يرى.. لم يع للفراغ امتلاءً كلحظتها.. ولم تدرك الروح انطلاقاً كلحظتها.. ‏
تجمّعتُ حول نفسي أبحث عن أجزائي المبعثرة المفقودة.. ‏
تفرّستُ في حقيقتها.. في جوهرها.. في حركاتها وسكناتها.. وصحت في أعماقي: "ألستُ أحلم؟! ‏أليس حلماً أن تتجسد الأحلام أمامناً.. فلا نصدق ما تراه العين وما تسمعه الأذن..".‏
‏(عجباً لأمرك أيها الإنسان.. كأنّ خبزك اليومي لا يمكن أنْ يكون غير عذاب.. غير قهر.. تكتب ‏على نفسك الألم حتى في لحظات الفرح.. عندما تكون شاباً تفكر دائماً بالهرم.. وعندما تكون غنياً ‏تخاف دائماً الفقر.. وعندما تكبر تتحسر على أيام الشباب).‏
صارت نظراتي ترتجف في اللحظة الأولى .. وكنت بتفاصيلي أرتعد مثل نور مصباح جدتي ‏القديم.. ‏
قد يكون ذلك مجرد توجّس لا مبرر له.. أو صدمة غير متوقعة.. ربما.. لست أدري..‏
ثم توارت في حجاب.. كنجمة خلف سحابة.. تسرق الأحلام من واقعها.. تملأ البحر ماء.. تزرع ‏شهب السماء.. ‏
لكنها وفي كل حال بديعة كتلك اللحظة.. فما أبدع الأحلام حين تتراءى في جنبات حقيقتها!.. ما ‏أنبه النفس حين تتقمص أحلاماً تضيء في دياجير لا تنتهي!.. ‏
وفي لحظات تبدّل كلّ شيء... ‏
لم يعد المكان هو المكان.. ولا الزمان هو الزمان.. هي هي.. أما أنا فلست أنا...‏
كانت الأفكار تترى.. تتصاعد مثل دخان مدفئة حطب في ليلة شتوية باردة...‏
تجمدت ألأطراف.. ‏
ابتلعت ريقي.. ‏
لكن الريق انقطع.. ‏
سمعت صوت فيروز يتراقص مغرداً من بعيد..‏
‏ ‏
‏(ما تاري الكلام بيضلو كلام ‏
وكل شي بيخلص حتى الأحلام) ‏

فهل الأحلام تنتهي حقاً؟؟؟.. هذا مستحيل.. فالحياة مجموعة أحلام.. والحياة لا تتوقف إلاّ ‏بالموت.. وحتى إننا نحلم بالحياة ما بعد الموت، فكيف تموت الأحلام وتنتهي..!‏

ورحت أنشد مع فيروز في همس وخشوع:‏

لاتسألوني ما اسمه حبيبي.. ‏
أخشى عليكم ضوعة الطـّـيوب.. ‏
والله لو بحت بأيّ حرف.. ‏
تكـدّس الليلك في الدروب.. ‏
لاتسألوني ما اسمه.. ما اسمه.. ‏
ما اسمه حبيبي..‏
ترونه في ضحكة السّواقي... ‏
في رفـّـة الفراشة اللعوب.. ‏
في البحر في تدفق المراعي..‏
وفي غناء كلِّ عندليب.. ‏
في أدمع الشـّـتاء حين يبكي.. ‏
وفي عطاء الديمة السّكوب..‏
محاسن لا ضمـّـها كتاب.. ‏
ولا ادّعتها ريشة الأديب..‏
لاتسألوني.. ما اسمه.. ‏
كــفــاكــم.. فلن أبــوح باســمه.. ‏
حــبــيــبــي.‏
‏ ‏

الحلم الرابع‏

ليل وصباح

ومضى ليل طويل طويل.. طواه ليل كما لم يطوَ من قبل.. وجاء صبح عجيب.. ‏
ولكل صباح معه عجيبة.. ‏
وتحوّلت الصباحات والمساءات، وتغيّر وهج الشمس وشكل البحر ولون السماء.. ‏
وتبدل طعم الماء ورائحة الزهر.. وصوت الحمائم.. وزخّات المطر..‏
واشتد ضوء القمر.. وغنى الليل وتراقصت أغصان الشجر.. ‏
وأصبح لأغنية (حبيبي) ثوب آخر.. ‏
هذه الأغنية التي سمعتها - من قبل - ربما ألف مرة.. سمعتها اليوم كأنّما للمرة أولى.. لا تشبه كل ‏تلك المرات..‏
كانت الأفكار متناثرة.. والأحلام مبعثرة متقاطرة.. وطيف الماضي لم يزل ماثلاً خلف عيون ما ‏لها عنوان.. ومضينا معاً.. في رحلة حلم قشيب - أو تليد – لم أعد أدري!!‏
من أين جاءت؟! ‏
لستُ أدري.. كيف.. متى.. لمَ؟! لست أدري.. لست أدري..!!‏
كيف احتوت المشاعر والأحاسيس وتمكنت من منابعها؟! ‏
كل ما فيها عجب...!‏
ليس للأحلام بُعدٌ.. وهل فعلاً تنتهي الأحلام مثل كل شيء؟!‏
عزفت أمامي أنغاماً موسيقية غير مسبوقة.. ‏
لأول مرّة أجد نفسي أتخلّى عن كل أوراقي الدفينة.. ‏
أستسلم.. أرفع كل راياتي البيضاء.. بسهولة.. وحتى قبل أن أدخل المعركة... ‏
لم يعد أجرؤ على تخطي نفسي فقد كانت في واقعها أجمل من كل الأحلام..‏
اعترت قلبي حالة ترنّح وتماه.. ‏
صدّقتُ الواقع.. فنسيتُ الأحلام..‏
عشت لأول مرة حلمي.. لمسته بيدي، تعملق في ذاتي.. حتى كدت أصدق..‏
وفاتني أنّ الأحلام شيء والواقع شيء آخر مختلف تماماً عن أغنيات وقصائد منحوتة في صخر..‏
حالة من العري الصادق لا تأتي بسهولة.. لكنّها.. ربما.. تذهب مع أقل النســمات رقة..‏
استسلمت لمرئياتي.. كانت أحلامي صيد مشاعر، قنصاً بعيداً تماثل أمامي..‏
وصرت أنشد لها كلما استقلّت مشاعري بعد ذلك:‏

لا يعرف الحــبَّ إلاّ من يكابـــده ولا الصبـــابة إلاّ من يعانيها‏

فتجيب ضاحكة: "نصاب..لا أصدق.. لا أصدق..".‏
أمّا أنا فأعود إلى فيروز ربما لأرسم من خلالها حلماً آخر.. ‏
لكنّ الأحلام باتت عصيّة متمردة.. حرون.. ‏
‏(كل شي بيخلص حتى الأحلام!) ‏
هل يمكن؟.. حتى الأحلام! وأي أحلام؟؟

الحلم الخامس

لوحت بيدي مودعاً

لكننا.. فجأة.. وقبل أن تكتمل فصول روايتنا.. غيّرنا الواقع وبدّلناه.. ‏
غير أني ما تغيّرت ولا تبدلت.. لكنْ تقزّمت في نفسي وقائع الأحلام.. ‏
ولم تتقزم هي عندي ولم تتبدد..‏
‏"لستُ أنا من يبيعك الوهم".. ‏
لم تقلها.. ومع ذلك سمعتها..‏
قلت برهبة: "جدر عالية.. لم تبدُ في أحلامي..".‏
سمعتُ من بعيد.. جملة مكررة أبغضها: (الأحلام شيء والواقع شيء آخر)..‏
خَطفت قلبي من ورائي.. ثقبت فيه نفقاً.. لم يعد هناك حلم يجرؤ أن يقع فيه.. حملت أوراقي ‏وصمتي - وربما مصيبتي - لم أتمالك حتى أن ألقي تحية.. ومن بعيد.. كمن يخشى نفسه.. كفارس ‏سقط من صهوة جواده في قلب معركة.. لوّحت بيدي مودعاً.. قبل أنْ أعود جاثياً... ‏
لم أعرف قبلها (أنثى) حرون مثلها.. ‏
فيها ما ليس بغيرها.. اكتشفتُ أشياء وأشياء.. لكنها قاومت.. قاتلت كلّ الأحلام.. ولم تنتصر.. ‏
صاحت: "لا للأحلام..". ‏
وعندما هوت الأحلام تحت قدميها.. لم تدسها.. فهي لا تعرف أن تدوس من تكره فكيف من ‏تحب؟!‏
لم ترفض.. ‏
لم تعترض.. ‏
لكنها لا تستسلم.. "أنت جرئ جداً.. أنا لا أحبك ولا أكرهك.. ربما مع الأيام أحبك".‏
عطرها طبيعي.. "لا أحب المساحيق.. أنتِ أجمل من الحلم نفسه"..‏
تضحك بلطف، تنظر إلى أعلى.. ثم تعود للنظر نحوي نظرات حالمة: "أما زلت تحلم؟!".‏
‏"الحلم صديقي ورفيق دربي.. وأنت أعظم أحلامي"..‏
‏"ألم يقل لك أحد من قبل أنك نصاب؟".‏
‏"هل تسمحي؟".‏
‏"بماذا؟".‏
‏"أريد أن أقبل أصابع قدميك"..‏
تطل دهشة من عينيها.. ترفض ببريق عجيب.. "مستحيل".‏
‏"أرجوك".‏
‏"مستحيل.. كيف.. كيف؟ لا يمكن..".‏
تضم يديها إلى صدرها بخوف، مع أنّ كثراً حاولوا تقبيل تراب يقع من أسفل نعلها، باهظ الثمن.‏
كانت عندي أثمن من كل الوجود.. وكنت لها أثمن من (لثم قدم).. ‏
قالت بحزم: "لا توجد مرة ثانية..".‏
اعتدت أن استجيب لها بلا نقاش.. ومضيتُ حيث لا أعود.. مضيت إلى مجهول.. ‏
إلى عالم لا يعرف كيف يحلم؟؟.. كيف يمضي؟؟.. ‏
غادرتُ بلاداً وبلاداً.. قطعت جبالاً وودياناً.. ‏
مشيت نحو الضياع بقدمي هاتين.. غرزتُ في عمق أحلامي خنجراً مسنوناً..‏
لكنها بقيت.. ‏
تصنع كل تفاصيلي.. تجعل مني قطعاً لألعابها الصغيرة.. ‏
تشعل في أنفاسي مشاعرها الرقيقة.. ‏
وترسم في مخيلتي طقوسها الفريدة..‏
وبقيت كل الأحلام.. تاجاً مرصعاً على هامتها.. وبقيت أنا مصلوباً على جدران مدينتها.. ‏
أخط في جوار الوتد المغروز في كفيّ الداميتين: "لا تسألوني ما اسمه حبيبي".‏


الحلم السادس

ذكريات واقع قصير

رحت استعيد ذكريات واقع قصير معها..‏
عند أول التقاء نظرات.. عرفتها.. دار حوار سريع مرتبك..‏
لم أقدر على التواصل.. فقدت كل وقاري وصرامتي.. ‏
عرفت رقم هاتفها... وبعيد لحظات.. أرسلت رسالة قصيرة: " كان حضورك رائعاً..".‏
لم تبخل بإجابة.. أقصر.. "أنت الرائع".. ‏
طلبتُ لقاءً.. كلمتها.. قالت: "هل أعرفك؟ أشعر إني التقيتك منذ زمن..". ‏
‏"وأنا مثلك..".. أجبتها بيقين.. ‏
أيتها الحلم الآتي دفئاً مثل نسائم وردة برية.. تعصرين كل مخيلتي.. تسقين بها عشباً على رمض ‏رمال صحراوية.. ‏
تفتشين في أنفاسي عن نقوش ليست موسمية ولا سطحية.. عمقها عمق بحر.. وصداها صدى ‏شوق..‏
كانت تفاصيلها التي أراها لأول مرة صورة ساطعة في نفسي..‏
وفي ثانية واحدة.. تناثرت كل الحواجز بيننا - أو بالأصح هكذا ظننت - لم أسألها من أنت؟ لأنها ‏اختزلت في عينيها كل حكايات الدنيا..‏
والنفس عندما تلاقي ما تتمناه.. تنسى الواقع أو تتناساه.. ‏
تتجمد في كينونتها كلّ تجارب الحياة وخبراتها.. وتشلّ كلّ مراحل التفكير والتأملات.. ويسطع ‏الحب بكل ما فيه من خيالات.. وأحلام.. وتهيؤات..‏
أمّا أنا فلم أسكن منذ أن رأيتها.. صار العالم عندي مختلفاً.. ‏
توسدت عينيها بلا استئذان.. ‏
كانت كريمة بإحسان.. سخية كطيف أحلام..‏
عندما تضحك.. تغلق عينيها...‏
‏"آه.. آه.. إلى هذا الحد أنت تدركين أنّ الناظر إليك لا يمكن أن ينظر إلى فضاء عينيك ومساحة ‏ابتسامتك في آن واحد". ‏
صورة حقيقية لا يمكن وصفها ولا تخطيها.. واقع عجيب.. لم أكن أحلم الآن به على الإطلاق..‏
‏"صدقي أنت ترحمين الناس بذلك.. فمن ذا الذي يستطيع أن يرى هذين المشهدين في وقت ‏واحد؟!"..‏
تخجل عندما تسمع هذا الكلام.. ترفع رأسها ثم تخفضه وتنظر إلى الأرض..‏
هي تعرف أنّها أقوى من بركان..ومن طوفان.. ‏
تصف ما في داخلها بتنين سجين.. ومن يجسر على اختراق حجرة التنين..؟


الحلم السابع

قلب وسيارة

‏................... ‏
‏...................‏
‏ ‏
سيارتي تجوب شوارع المدينة.. وقلبي يجوب الفضاء.. ‏
هي إلى جانبي تنظر إلى السماء حيناً.. وإلى الناس من حولنا حيناً آخر.. ‏
كان عطرها يملأ صدري.. لم أع الفارق بيننا.. قلت.. ولأول مرة أقولها صادقاً: "أحبك"..‏
ضحكت.. "هكذا.. بكل بساطة.. علاقتنا لم يمض عليها 24 ساعة؟!".‏
‏"وهل الحب يحسب بالساعات والثواني..؟".‏
لم تقل في أول لقاء " أنت نصاب".. قالت ذلك بعد لقاءات يومية سريعة عجيبة.. بدّلت بوصلة ‏أوقاتي.. ومعها بدّلت نمط حياتي..‏
حدثتها عن ماضيَّ.. استمعتْ.. ‏
قلتُ أشياء لا يعرفها أحدٌ من البشر.. ‏
قلتُ تفاصيل لم أقلها لأحد يوماً.. ‏
وفي سويعات من زمن.. تملّكتْ كل عمري الماضي الذي جاوزتُ نصفه.. وقارب الانتهاء..‏
كانت حقيقة الحلم.. وحلم الحقيقة.. ‏
لكني أدركت عمق الهوة بيننا.. هي في فضاء.. وأنا على ما أنا عليه..‏
لم تشعرني بذلك.. لم تنفض خيالاتي.. كانت الأشياء من حولها جديدة.. وكل ما فيها جديد.. ترسم ‏الضحكات كالفراشات السعيدة.. تسكن الأطياب كالدهن والبخور.. تسكب البسمات مشرقة كنور.. ‏عندما تضحك.. تبرز سنّ غيرت نظرتي لجمال اتساق الأسنان.. ‏
لأول مرة أدرك أنّ جمال الأسنان وروعتها ليس في تناسقها فقط، بل في فوضويتها أحياناً...‏

‏............‏
‏............‏

وفي يوم.. في لحظة جلوس في مقهي فاخر.. قالت: "هيا بنا إلى مكان آخر"..‏
لم أقل شيئاً.. لم أسأل.. لم أجفل.. لم أفكر بشيء..‏
والتصقنا في وحدتنا.. لأول مرة ألمس وجهها.. لم تكن تريد ذلك.. ليس هدفها.. مهما كانت ‏الظروف..‏
‏"هل تصدق؟؟".. ‏
قالتها جازمة.. "هل تصدق أنّني ممن لم يلمسهن أنس قبلك ولا جان؟؟"..‏
‏"اقتربي إلى النور.. اقتربي.. أريد أن أراك أكثر..".‏
وعلى ضوء شمس.. رأيتها كما لم أرَ نساء.. كان ضوء ينسكب منها لا عليها.. ‏
‏"أفٍ من ذلك المقهى.. ذي الأنوار الخافتة.. دعي وجهك للشمس.. حتى تشعّ الشمس أكثر..". ‏


الحلم الثامن

فيلم بالأبيض والأسود

في ركن هادئ كان جلوسنا اليومي.. في ذلك المقهى خافت الضوء..‏
نادل المقهي لطيف يميز في دقة، في يوم جئنا إلى الركن نفسه.. كان هناك من سبقنا إليه... ‏فأوحى لمن فيه بمغادرة المكان.. ‏
في لقائنا الأول كان الأمر غريباً.. ‏
‏"هذه أول مرة أجلس مع فتاة في مكان كهذا.." .‏
قلتها ببساطة.. ولا أظنها صدّقت أواقتنعت!‏
‏"بالأصح لعلها أيضاً أوّل مرة أجلس مع أنثى جلسة كهذه"..‏
‏"ما أجمل كلمة أنثى.. هي أجمل من كل الكلمات التي توصف بها المرأة"..‏
‏"هل تصدقين أني أحبك؟".. ‏
‏"لا أدري.. لست متأكدة.. لكني بدأت أصدقك..".‏
‏"طيب.. أعطني قبلة"..‏
‏"لا".‏
‏"لمسة".‏
‏"بالطبع لا".‏
‏"إذن.. غمرة"..‏
‏"ها..ها..ها..".‏

‏...............‏
‏...............‏

هذه الضحكة تنسج ابتساماتي.. تزرع في نفسي كل آهاتي.. تمزق في كياني كلّ ماضيّ المارق.. ‏
‏"كنت مخطئاً دون شك لأني قلت لك كل أشيائي.. ما كان لي أن أقول وقد كان بـإمكاني"..‏
‏"لا تستطيع".‏
صحيح ما تقول.. ‏
طبعاً لا أستطيع..‏
لقد كنتُ أمامها سطراً مكتوباً، أو فيلماً قديماً يعاد عرضه بالأبيض والأسود.. وكانت هي أول ‏المشاهدين وآخرهم..‏
أعترف أنها ما قالت يوماً خطأً..‏
‏"أنا لا أتصنع الحب.. أقول ذلك ولأول مرة.. كلمة لم أقلها لكل النساء اللاتي عرفتهن في حياتي.. ‏أنا أريد الزواج منك.. أنا لا أريدك عابرة سرير".. ‏
‏"أنت تتخيل".. قالت بغضب..‏
‏"لا أقصد.. تذكرت فقط تلك الرواية الشهيرة (عابر سرير)..".‏
‏"أنت تحلم".‏
‏(ما أجمل الأحلام في عينيك.. هاتان العينان اللتان تبرقان في ضوء المقهى الخافت. تشعلين في ‏قلبي نواقيس الفرح التي لا تنطفئ..).‏
‏"أريدك زوجة.. لا صاحبة"..‏
‏"لا هذا ولا ذاك.. مستحيل"..‏
‏"وما المانع.. ألأني متزوج؟"..‏
‏"لا.. أبي لن يوافق".‏
‏"إذا وافق أبوك هل توافقين؟"..‏
أحنت رأسها... قالت بصوت منخفض واثق: "نعم". ‏
‏(صدّقت كلامها ببراءة.. بل بجنون.. ربما).‏
‏"لأذهب إلى أبيك الآن فوراً"..‏
‏"أنت مجنون.. مجنون، مستحيل لن يوافق.. أتعلم من هو؟"..‏
‏"لا يهمني من هو؟.. المهم عندي أنت"..‏
‏"كلام أسمعه منذ صباي، حولي كثيرون يقولون ذلك كل يوم"..‏
‏"الله.. الله.. يا حبيبتي"..‏
‏"هل هذا حقيقي؟؟ أنت تضحكني.. أنا أدري.. أنت تتمنى جسدي..".‏
‏"جسدك؟! (هههههههه) النساء كثيرات.. حولك كثير من الرجال وحولي كثير من النساء.. لكنك ‏لست كالنساء.. أنا أحلم بك ملكة في بيتي.. لكنه حلم مستحيل..".‏
‏"إذن لنبقَ في الأحلام.. ألا تكفيك هذه المشاعر الطيبة؟".. ‏
‏"هل تصدقين لو قلت لك إنّ رؤية وجهك تحت الضوء ولو كان خافتاً.. أحبّ إليَّ من أي شيء ‏آخر".. ‏
‏"نصاب.. أنت نصاب.. بل نصاب كبير"..‏
‏"نصاب أو غير نصاب.. هذه حقيقة واقعة.. صدقي أولا تصدقي..".‏



الحلم التاسع
‏ ‏
لماذا أنا؟

‏"قل لي كيف حدث هذا؟"‏
قالت في يوم من أيامنا القليلة..‏
‏"لست أدري".. أجبتها دون تفكير.. "أنت حلم قديم منذ البعيد"..‏
‏"وزوجتك؟!"..‏
‏"ستحبك حتماً..ولو بعد حين، وأنت لو عرفتها ستحبينها.. هي رائعة.. وطيبة..".‏
‏"أنت إنسان عجيب.. لماذا أنا؟".‏
‏"قلت لك لست أدري.. لست أدري"..‏
عندما أكون معها لا أشبع منها.. عندما أكون معها أخشى لحظة الوداع.. هل أتركها؟؟.. لا ‏أستطيع البعد عنها.. كل لقاء يزيد في نفسي لهيب الحب..‏
تشغل نفسها كل يوم بأشياء كثيرة.. ‏
ترى الناس بعينيها المتلألئتين طيفاً من خير لا ينقطع، توزع ابتساماتها كوردة بيضاء تفيض بهاء ‏ودلالاً.. ‏
‏"هكذا أنا.. أحب أن أكون هكذا"..‏
على الهاتف سمعت خطواتها تطرق الأرض بثبات..‏
وصلت مركز عملها في وقت مبكر ذات صباح.. ‏
وأنا من وراء الهاتف أكلمها.. ‏
أسمعها شريط غرامي المتكرر الذي ربما سمعته مرات ومرات وملّته من كثيرة التكرار.. ‏
أصوات كثيرة تنساب من حولها.. كلمات غزل تتساقط من هنا وهناك.. كأنّها تتعمد أن تسمعني ‏ما يقال لها.. فأتحرّق غيظاً.. ‏
استوقفتها زميلة لها.. قالت بصوت مرتفع: "الله أكبر.. الله أكبر.. تبدين مثل غزالة صغيرة".. ‏وكررت التكبير مرات ومرات.. ‏
لم تنزعج.. جاملتْها.. ‏
لماذا لا تمل من تكراراتها؟.. وتملّ من تكراراتي؟ لست أدري! لماذا تصدقها ولا تصدقني؟ لست ‏أدري!‏
زميلتها خطفت مني كلماتي.. سرقت مني رؤيتها الصباحية.. أنا الذي يجب أنْ أقول ذلك.. من ‏هذه لكي تخطف من شفتي كلماتي وآهاتي.. و(تكبيراتي)..‏
اسمع طرق نعليها وهي متوجهة نحو مكتبها.. الطريق طويل.. أرى العيون من حولها.. أرى ‏الرقاب تشرئب نحوها.. وأنا في مكاني.. أعصر آهاتي وآلامي.. ومن أنا لأعترض.. أو ‏لألومها؟.. ‏
لكني رجل شرقي أحمل كل شرقيتي حتى النخاع..‏
‏"لا تكن هكذا.. عجباً للرجل الشرقي كيف يفكر!".. ‏
تقولها بتعجب.. بثقة وحنان..‏
حتى في المقهى ذي الطراز الغربي تصر على دفع الحساب.. ‏
أضحك وأقول: "دعيني أدفع الحساب هنا.. ثم نذهب للغداء على حسابك في مطعم فاخر..".‏
‏"هل تسخر؟؟.. هيا، ونحن فيها.."‏
كل تفاصيل وجهها ملأى بالحب والحكايا والخبايا.. ‏
ربما نقدر أن نصفها - كما يقولون - بالمرأة الحديدية.. لكني أحتج تماماً على هذا الوصف.. لا ‏أرى فيه - بالنسبة لها - غير أمر هامشي.. هي حديدية..بالتأكيد.. شيء لا يختلف اثنان عليه، لكن ‏حديديتها من نوع آخر.. هي حديدية تعرف متى تذوب ومتى تجمد.. ومتى تكون باردة ومتى ‏تشعل النار في كل الأشياء التي حولها.. ومع ذلك لا تشتعل.. ‏


الحلم العاشر

أنا رجل شرقي!‏

في مرة قالت:‏
‏"ربما تريدني كعابر سرير..". ‏
تضحك وتضيف: "هذه الأخيرة من كلماتك"..‏
‏"لا، ليست من كلماتي.. قلت لك هي قصة مشهورة".. ‏
أقول مصححاً..‏
‏"وهل تظنني جاهلة إلى هذا الحد؟؟ أنتم غرباء أيها الرجال الشرقيون.. هذه القصة التي تستشهد ‏بها... ألم تكتبها امرأة؟؟".‏
‏"ومن قال لك إنني ضد النساء؟".‏
‏"أنت رجل شرقي.. عقلك وتفكيرك وحياتك وتكوينك.. وحتى المرأة لا ترى فيها غير متاع"..‏
‏"..........".‏
لا أستطيع الدفاع عن نفسي.. كيف أواجه هذا المد الجارف.. هي تعرف كيف تنتقي كلماتها.. ‏تعرف كيف تواجه.. متى ترتد ومتى تهاجم؟.. وفي كل الأحوال تترك خصمها ضعيفاً مسلوب ‏القوى..‏
المشكلة لا تكمن في جمالها... المشكلة في داخلي أنا.. بل المشكلة هي أنا.. أنا الرجل.. ‏
سببت لها ضيقاً.. بعدما ملأت كياني.. رغم أني رجل متزوج مشغول.. أنهكته السنين عمراً ‏وعملاً.. ومع ذلك عندما دنت تملكت، وغلفت كل كياني حتى تجردت من نفسي، وقدمتها هدية ‏لها.. لا أنكر أنّها لم تظلم ولم ترفض ولم تتمرد، لكنها قررت بصراحتها الدائمة أنّ الأمر عادي.. ‏وانصرفت ودمائي تغلي في عروقي.. وقلبي يكاد يقفز من مكانه.. من الحيرة. ‏
لم (أرسم) عليها كما يقول بعض الرجال.. أنا أردت الزواج منها.. هي لا ترفض فكرة أن تكون ‏زوجة ثانية لرجل متزوج (لم تقل ذلك أمامي على الأقل ربما لأنها احترمت مشاعري أو تستمتع ‏بسماعها عرضي المتكرر).. ‏
هي ليست سارقة.. ‏
وكرجل يمكنني أن أتزوّج مرة ثانية ما دمت أنوي العدل بين زوجتين.. ‏
ليست هذه مشكلة من ناحيتي.. ‏
وهي أيضاً لم تعقد الأمر.. بل كانت المسألة عندها غير ذلك تماماً.. ‏
ما هي؟ لست أدري.. ‏
بَيد أنها ترى أن العدل بين زوجتين مستحيل.‏
‏"أنت رجل مسكين.. رغم كل خبراتك لا تعرف كيف تعامل الأنثى..".‏
‏"معك حق أعترف".. أقول ذلك مقراً بذنبي إن كان هذا ذنباً..‏
يرن هاتفها.. أقوم من مكاني.. تشير لي بأن أجلس.. لا أريد.. أتحجج باتصال.. أبتعد عنها لكي لا ‏أسمع ما يدور باتصالاتها لكنها لا تكترث.. وتقول عندما أعود "لماذا ابتعدت؟".. "لا تفعل ذلك ‏مرة ثانية.. ليس هنالك أسرار.."..‏

وعندما تأتيها مكالمة مرة ثانية.. تنتفض وتركض بعيداً عني لكي لا أسمع.. وتنسى ما قالته لي ‏قبل قليل.. ‏
‏"أنت بالنسبة لي امرأة مجهولة.. هنالك أسرار كثيرة تحيط بك ولا أعرفها.. ولا أريد أن أتطفل ‏عليك لأعرفها.. هل تظني أني متطفل؟".‏
تطقطق أصابع يديها بطريقة مرحة.. ‏
ترمقني بنظرات أحلى من الشهد.. ‏


الحلم الحادي عشر
‏ ‏
أنا لست ملكية خاصة

تقول لتختصر الكلام: "هيا بنا نذهب عندي موعد عمل..".‏
‏"نعم عرفته.. ذلك الرجل الذي لا يتوقف عن مغازلتك؟".‏
‏"وأنت مالك يا أخي..".‏
‏"أنت تتقبلين ذلك وتفرحين".‏
‏"لا يوجد امرأة في العالم لا يستهويها الغزل".‏
تمشي أمامي.. أفسح لها الطريق لتمضي.. تسير ببطء وغنج دلال.. تسرّها نظرات متجمهرة ‏حولها .. تصيبها نشوة تحزنني.. لا ترفض هذه النظرات.. تعتبر أن ليس لها علاقة بها.. ‏
هي حرة.. ولكن ليس على حسابي، أو الأقل ليس عندما تكون معي.. ‏
‏"أنا لست ملكية خاصة لأحد.. لماذا الناس يعتبرونني كذلك"..‏
‏"أنا لا أعتبرك كذلك..".‏
‏"لماذا تقحم نفسك في كل شيء يا أخي..".‏
‏"ليتني أستطيع.. لكني لا أريد سوى قلبك"..‏
تضحك وتقول بغنج ودلال:"أنت تحلم..".‏


الحلم الثاني عشر

تمنيات ملونة

‏ ما أجمل الأحلام عندما تبقى في مخيلاتنا وتعود إليها.. مع أنّنا نتوهم أنّ الأحلام لو تحققت أو ‏تحقق بعض منها فإنّ حياتنا سوف تتغير وتتبدل وتتحسن.. وخاصة في الحب.. ‏
لكن ماذا لو كان الحب مستحيلاً.. في زمن بات كل شيء يوزن بالمادة.. مع أني حقيقة لم أرَ ذلك ‏في نفسها لحظة واحدة. فمن الواضح أنّ المادة عندها ليست ذات قيمة مباشرة، وهذا شيء إيجابي ‏يزيدني تقديراً لها، ويجعلني احترم فيها انسانيتها.‏
فالإنسان تنسب له الإنسانية، ولو تجرّد منها فهل يمكنه أن يكون إنساناً. ربما يحمل صفات ‏الإنسان الشكليّة أمّا المعنوية فتذهب إدراج الريح، فيصبح من سائر المخلوقات.. إلاّ الإنسان..‏
وهي قمة في إنسانيتها..‏
لا أقول ذلك لإنّي أحبها حلماً وواقعاً، فهذا شيء وذلك شيء آخر، حتى علاقتها بي كانت ‏إنسانية.. ‏
أعترف أنّها لم تظهر حباً في أيامنا على قلتها، لكنّها كانت تقدر ما أكنّه لها من حب وتحترمه.. ‏وأحياناً يقودني جهلي - وربما رعونتي ونزقي وطيشي- للاعتقاد بأنّها تحبني فعلاً.. ‏
أفعالها تقودني أحياناً إلى هذا الشعور.. ‏
ربما تريد بذلك أن ترضي نفسها، أوترضيني.. ‏
الأمر سيان.. ‏
ثمّ أرجع عن احتمالاتي، واستسلم لما أسمعه منها.. مع أنّها تقول:‏
‏"لا تصدق ما تسمعه.. وصدق إحساسك.. من هو الأصدق: شفتاي أم عيناي؟؟"..‏
يا لها من أنثى ذكية، تعرف كيف تصنع من خيالاتي أحلاماً، وتبني على رمال شاطئي جبالاً من ‏التمنيات الملونة..‏



الحلم الأخير‏ ‏
قالت أخرج بسرعة.. لا مكان لنا الآن هنا.. أخرج.. هيا.. سألحق بك فوراً..‏
وخرجت دون نقاش.. مستسلماً كعادتي.. ‏
لم تتوقع أني سأنتظرها.. انتظرت مدة طويلة أمام سيارتها الفارهة.. أكثر مما يمكن أن تتوقع.. ‏كاد الحلم ينتهي.. من طول الانتظار.. كنت أحمل باقة ورد وقارورة عطر.. وحلم يموت..‏
ومضيت دون أن تأتي.. ودون أن أعرف سبب تأخرها.. ‏
عدت إلى سيارتي القديمة الرخيصة.. إلى أحلامي المحطمة..‏
لقد ظلمتني أحلامي.. أو ربما أنا ظلمتُ أحلامي.. فكيف للأحلام إن ظلمت أن تعود.. ركبت ‏السيارة.. وانطلقت بها بجنون.. استمعت إلى فيروز تغني: ‏

بحبك حتى نجوم الليل.. نجمي ونجمي توقع ‏
وخلص الحب.. وسكتت الكلمي ‏
واتسكر القلب.. ما وقع ولا نجمي ‏
ما تاري الكلام بيضلو كلام ‏
وكل شي بيخلص حتى الأحلام ‏
والإيام بتمحي إيام


(النهاية)
الكويت
11-12-2007
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رواية حقيقية مثل الأحلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تجربة فريدة تستحق الاهتمام صانع الأحلام لـ(طارق البكري).. رواية عربية للأطفال
» صانع الأحلام
» جميل السلحوت يكتب عن رواية (البوسطة)
» جميل السلحوت يكتب عن (رواية سباق في الزقاق)
» رواية "سباق في الزقاق"للدكتور طارق البكري

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
د. طارق البكري :: القصص القصيرة جداً :: المنتدى الأول :: الروايات-
انتقل الى: